ـ في القرن الخامس عشر ، رسم ليونارديو دافينشي تصميم يمثّل آلة طائرة ، فسخر منه العلماء و قالوا له ضاحكين : إنسى الأمر ! إذا كان الطيران ممكناً لكنا أوّل من عرف بذلك !
ـ المجتمع العلمي (الذي كان مخموراً بأفكار العهد القديم ) ، هو أوّل من تصدى لأفكار الفلكي البولندي "كوبرنيكوس" عندما أعلن عن مشاهداته التي تدلّ على أن الأرض ليست مركز الكون ، في عام 1540م .
ـ في العام 1608م ظهر ألماني يدعى "ليبرشيه" بجهاز مقرّب (منظار) مؤلف من عدستين ، فأخذه منه الإيطالي "غاليليو" و طوّره حتى صنع ما نعرفه اليوم بالتلسكوب ، و وجد من خلاله أن القمر هو كروي الشكل و ليس طبق فضّي ، لكن البروفيسور المسؤول عن جامعة "بادوا" رفض حتى النظر في ذلك الجهاز ! و ادعى بأنه يمثّل هرطقة علمية !. أما قصة "غاليليو" مع الكنيسة ، فلا تخفى عن أحد .
ـ "فرانز أنتون ميزمر" الوالد المؤسّس للتنويم المغناطيسي الحديث ، طرده المجتمع العلمي من فرنسا بتهمة الشعوذة .
ـ سخر رجال الأكاديمية البريطانية للعلوم من بنجامين فرانكلين عندما قدم تقرير عن القضيب المعدني و تفاعله مع البرق ! و رفضت الأكاديمية نشر هذا التقرير !.
ـ أحد العلماء الفرنسيين البارزين من الأكاديمية الفرنسية للعلوم ، صرح بأن التنويم المغناطيسي هو عبارة عن خداع !. و بعد حضور إحدى جلسات التنويم ، و شاهد كيف تم غرس إبرة طولها 10 سم في يد النائم مغناطيسياً دون أن يشعر بالألم أو حتى خروج نقطة دم واحدة ! لكن البروفيسور المحترم الذي يرفض تصديق هذه الظاهرة علّق قائلاً :
" إن هذا النائم المحتال قد استلم من المنوّم المخادع مبلغ من المال مقابل سكوته على ألمه الذي نتج من غرس الإبرة " !!.
( تصوّر يا سيدي ... مسمار طوله 10سم ... يدخل في يدك من الجنب إلى الجنب ! .. هل تستطيع أن تمنع نفسك من الصراخ ؟!.. حتى لو قبضت الملايين ؟!.. ) .
ـ المجتمع العلمي هو أول من تصدى لأفكار "شارلز داروين" التي تحدثت عن عملية تطوّر الكائنات ، و وصفوه بالمجنون .
ـ السيّد " وليام بيرس " ، رئيس المهندسين في مكتب البريد البريطاني ، نسب إليه أكثر التعليقات غباءً في التاريخ حول اختراعات توماس أديسون ! فقال في إحدى المناسبات أن مصباح أديسون الكهربائي هو عبارة عن فكرة حمقاء تماماً !..
غاليليو
ـ العديد من البروفسورات المرموقين الذين عرفوا أديسون ، بما فيهم البروفيسور البارز "هنري مورتون " ، علّقوا على فكرة المصباح الكهربائي ، قبل استعراضه أمام الناس بقليل ، قائلين :
" باسم العلم .. نصرّح بان تجارب أديسون ... هي عملية احتيال تهدف لخداع الجماهير " !.
ـ علّق علماء من الأكاديمية الفرنسية للعلوم ، على آلة أديسون الصوتية ( الغرامافون ) بعد سماعها تطلق الأصوات ، قائلين :
" إنها عملية خداع واضحة ! فلا يمكن للآلة أن تتكلّم ! لا بد من أن الأصوات تخرج من فمه ( أي أديسون ) بطريقة بارعة لا يمكن ملاحظتها " !.
منظار قديم
ـ سخر المهندسين الألمان في العام 1902م من الكونت فرديناند فون زيبلين عندما أعلن عن اختراع وسيلة نقل جويّة ( منطاد قابل للتوجيه ) . لكن بعدها بسنوات قليلة ، راحت مناطيد زيبلين تجوب السماء و تجتاز المحيط الأطلسي ناقلة الركاب من قارة لأخرى !.
ـ في العام 1903م ، تجاهلت الصحف الرئيسية ذلك الحدث التاريخي الذي يتمثّل بتحليق أوّل طائرة صنعها الأخوين رايت ! و علّقت إحدى المجلات العلمية المحترمة ( ساينتيفك أمريكان ) على هذا الإنجاز بأنه خدعة وهمية ! و هذا كان موقف الصحف الأخرى مثل النييورك تايمز و النيويورك هيرالد و غيرها ! بالإضافة إلى قيادة الجيش الأمركي ، و الأكاديميات و الجامعات المختلفة ، و رجال العلم البارزين ، بما فيهم البروفيسور في علم الرياضيات و الفضاء ، السيد " سيمون نيوكمب " و غيره من العلماء !. جميعهم سخروا من الاخوين رايت و قللوا من شأن هذا الحدث العظيم !. جميعهم علّقوا بصوت واحد : " إنه من المستحيل علمياً للمحركات الثقيلة أن تطير " !.. و لمدّة خمس سنوات كاملة ، رفض المسئولين في البيت الأبيض تصديق أن آلة ميكانيكية أثقل من الهواء استطاعت الطيران !.
مصباح أديسون
ـ "جون لوغي بارد " ، مخترع التلفزيون ، تعرّض لهجوم شرس من قبل رجال العلم المتشككين ذات العقول المتحجّرة ! و علّقوا على هذه الفكرة قائلين :
" إن فكرة نقل الصورة عبر الأثير هي عبارة عن ترهات و سخافات معيبة " !.
ـ في الخمسينات من القرن الماضي ، صرّح أحد الفيزيائيين المرموقين في جامعة كامبريدج البريطانية بأن الكلام عن السفر إلى الفضاء هو كلام فارغ ! ليس له صلة بالواقع الحقيقي ! بعد هذا التصريح بثمانية عشر شهراً حلّق القمر الروسي سبوتنك في الفضاء الخارجي !.
أديسون و جهاز الغرامافون
و أحدث ضجّة كبيرة أدت إلى إحراج الكثير من رجال العلم ! و اضطرّت المؤسسات العلمية الغربية ، المصدومة بشدّة ، إلى تغيير مناهجها التعليمية القديمة في المدارس و أسست منهج علمي يتعامل مع الواقع العلمي الجديد ! و قد فقد الكثير من الأكاديميين المرموقين وظائفهم و مناصبهم خلال هذه النقلة العلمية النوعية !.
الغرامافون .. أوّل آلة تسجيل صوتي
أوّل طائرة
منطاد زيبلين
نلاحظ خلال دراستنا لتاريخ المسيرة العلمية الطويلة ، أنه هناك صراع دائم بين المبدعين و الأكاديميين الذين يمثلون بيروقراطية متشدّدة تتصف دائماً بتعاملها ألعدائي تجاه الأفكار الجديدة . و كلّ فكرة أو نظرية جديدة ، مهما كانت درجة مصداقيتها ، لا بدّ أن تمرّ دائماً بنفس المراحل التالية :
1ـ أول ما تطرح فكرة أو نظرية جديدة ، يصرّح العلماء المتشكّكون (المدعومون من قبل المنهج العلمي السائد) بكل ثقة أن الفكرة الجديدة هي مستحيلة و تنتهك القوانين العلمية ، فتنحى هذه الفكرة جانباً و يتم تجاهلها. يمكن لهذه المرحلة أن تدوم لسنوات أو حتى قرون من الزمن ، يعتمد ذلك على درجة تأثير الفكرة الجديدة على الحكمة التقليدية السائدة .
2ـ في المرحلة الثانية ، تبدأ تلك الفكرة بفرض نفسها تدريجياً ، بفضل واقعيتها و صدقيتها ، فيبدأ المتشكّكون بالاعتراف ـ مرغمين ـ بأن تلك الفكرة الجديدة قد تكون معقولة ، و غير مستحيلة ، لكنها غير مثيرة و تأثيرها ضعيف جداً ، أي أنها غير عملية ، و لا يمكن الاستفادة منها.
3ـ في المرحلة الثالثة ، يكتشف المنهج العلمي بكامل فصائله ، أن الفكرة الجديدة ليست فقط مهمّة و عملية ، بل أنها تمثّل عنصر ضروري له استخدامات كثيرة ، و توفّر إجابات كثيرة لظواهر كانت غامضة بالنسبة للمنهج العلمي السائد .
4ـ في المرحلة الرابعة ، و بعد أن تثبت الفكرة الجديدة نفسها بجدارة ، و أخذت مكانتها المستحقّة بين الأفكار و النظريات الأخرى ، يبدأ المتشكّكون ، الذين تنكّروا للفكرة الجديدة في السابق ، بالادعاء أنهم أول من فكروا بها في البداية ، و ينسى الجميع أن تلك الفكرة كانت تعتبر في يوم من الأيام "هرطقة علمية خطيرة"، فيتملّص الجميع من مسؤولية المحاولة للقضاء عليها ـ سحقاً تحت الأقدام ـ و حرمان الشعوب من الحقيقة .
هذا هو السيناريو الذي نشاهده دائماً عند ظهور فكرة أو نظرية جديدة . لكن بعد فترة من الزمن ، و بعد أن يصبح لهذه الفكرة الجديدة أتباعها الذين يؤمنون بها ، تصبح بالتالي طريقة تفكير ( مذهب فكري ) ! أي يصعب تغييرها أو تطويرها أو حتى تعديل بند واحد من بنودها !. و نرى أن رجالها يدافعون عنها بنفس شراسة النمر الذي يدافع عن صغاره !.
لكن لماذا ؟
ـ إن الأكاديميين يمثلون دائماً بيروقراطية بحد ذاتها ! هم غير مبدعين ! إنهم يعملون وفق المعلومات التي درسوها فقط ! موالون تماماً للسلطات التي قامت بوضعهم في مناصبهم ! و لهذا السبب ، هم يكرهون حصول تغيير في المعلومات التي اعتادوا على التعامل معها . فيرفضون حتى النظر بالفكرة الجديدة أو مناقشتها !. و لا يأبهون بالحقيقة !.
همس أحد علماء البايولوجيا البارزين ، لعالم النفس الشهير وليام جيمس قائلاً :
" إذا تم إثبات حقيقة التخاطر و انتقال الأفكار بين الأشخاص ، وجب علينا كرجال علم محترمين أن نتعاون على قمعها و حجبها عن العامة ، لأنها سوف تقلب هذا المنهج العلمي المحترم رأساً على عقب ، مما يعيق العلماء المحترمين من متابعة عملهم العلمي المستقيم في البحث عن الحقيقة " !.
ـ إن الفكرة الجديدة تمثل دائماً حقيقة واقعية ، لكنها بنفس الوقت ، هي تمثّل بالنسبة للمنهج العلمي السائد ، نظرة شاذّة ، ثورية ، قد تقلب المنطق المعروف رأساً على عقب . و هذا يزعج الرجال القائمين على هذا المنهج السائد ، فينظرون إليها على أنها تهديد لوظائفهم . فهم لا يحبون أن يظهروا كالأغبياء ، و أن هذه الفكرة الجديدة قد فاتتهم و خطرت في بال غيرهم . فيواجهون الفكرة الجديدة بسخرية و استهزاء و أحياناً كثيرة بالمؤامرات الخسيسة !.
البروفيسور المشهور أليستون من جامعة لندن واجه معارضة شرسة من قبل زملائه الأكاديميين في بدايات القرن التاسع عشر ، بعد إعلان أبحاثه حول التنويم المغناطيسي ! و رفضوا حضور أي من تجاربه ! أو قراءة نتائج أبحاثه ! و حاكوا ضده المؤامرات ! إلى أن تخلّى عن وظيفته في الجامعة ! و سحبت منه فيما بعد شهادته الأكاديمية !.
و قد ذكرنا سابقاً ما فعله علماء الآثار ، بقيادة هاردليكا ، مع زميلهم البروفيسور هيبن الذي كشف عن حقيقة وجود الإنسان في الأمريكيتين قبل العصر الجليدي !.
ـ نلاحظ أحياناً وجود أكاديميين متعصبين ! يتمسكون بعقليتهم العلمية و يدافعون عنها بشراسة تجعلنا نتساءل بدهشة إن كان هذا النوع من الأكاديميين يهتمون بالحقيقة فعلاً ، أم هو عبارة عن رد فعل غريزي مشابه لسلوك المتعصبين الدينيين أو بعض المتوحّشين من مشجّعي رياضة كرة القدم ! و لا يأبهون بالحقيقة أبداً ! و كل ما يهمهم هو الدفاع عن ما يعتقدون به و ينتصرون على الخصم المقابل !.
هناك الآلاف من الأمثلة التي تظهر طريقة أصحاب العقول المتحجّرة ، المتشككين الذين رفضوا التصديق بأي شيء غير متوافق مع معتقداتهم و مسلماتهم المطبقة على رؤوسهم كما الخوذة الحديدية المقفلة بإحكام !.
( و إذا أردتم أن تتعمّقوا في هذا الموضوع أكثر ، و تتعرّفوا على ما سببته أفعال هؤلاء الحمقى بالبشرية جمعاء ، عبر التاريخ العلمي الطويل ، خاصة الذين كان لديهم سلطة نافذة على الشعوب ، طالعوا في كتاب " العلوم المحرّمة ـ الأبحاث المقموعة التي يمكنها تغيير حياتنا " للكاتب : ريتشارد ميلتون . .... سوف يعصر هذا الكتاب قلوبكم و يدميها !..
إن التعصب العلمي هو كما التعصب الديني . فالعلماء المتعصبين ليس لهم علاقة بالعلم إطلاقاً !. إن هؤلاء الأنواع من البشر هم عبارة مرضى نفسيين ! يعانون من آفة نفسية تسمى التعصّب و التحجّر ! و الذين يعانون من هذه الحالة ، لديهم قابلية للوقوع فريسة سهلة لعملية غسيل الدماغ ( بمسلمات و معتقدات معيّنة ) منذ الطفولة . و هم ضعفاء جداً مما يجعلهم ينغلقون على تلك المعلومات المحددة و يرفضون تقبل معلومات جديدة ، مهما كانت واقعية و أظهرت نسبة كبيرة من المصداقية !.
إذا قرأنا تاريخ المسيرة العلمية جيداً، نجد مواقف كثيرة اتخذها رجال العلم و كانت مرعبة فعلاً !. نلاحظ مثلاً أن "شارلز داروين" كان يشعر بالخوف من مواجهة المجتمع العلمي بنظريته الجديدة التي أحدثت ضجّة علمية كبيرة في حينها ( نظرية التطوّر ) ، و قد خصّص عدّة صفحات في كتابه "تطوّر الأجناس" يتحدّث فيها عن محاكمة "غاليليو" و الظلم الذي لحق به ، و قال أن الحقيقة العلمية التي تواجه الرفض في البداية ، قد تثبت مصداقيتها فيما بعد ، لكن بعد فوات الأوان ! لأن صاحب النظرية الجديدة قد نال نصيبه من الإهانة و التجريح و ربما الموت . و كأن داروين كان يحضّر نفسه للمواجهة المحتومة من قبل مجتمع علمي لا يرحم !.
لكن ماذا حصل بعد ذلك بعدة عقود ، بعد أن سادت نظرية داروين و أصبحت أساساً صلباً يعتمد عليه العلم في تفسير مظاهر الوجود ؟. ها نحن الآن نرى كيف أن الداروينيين يحاربون جيمس لوفلوك بسبب نظريته "غايا" و روبرت شيلدريك بسبب نظرية الحقل الموفوجيني !. مع أنهم يعلمون جيداً بأن هذه النظريات العصرية عملت على تفسير جوانب كثيرة في الوجود لازالت غامضة على المذهب الدارويني ( مذهب داروين ) !.
هذه الظاهرة السائدة بين المناهج العلمية المختلفة التي سادت على مرّ العصور ، تفصح لنا عن حقيقة واضحة وضوح الشمس .. هذه الحقيقة المؤلمة تقول :
إن الأمر بالنسبة للأكاديميين هو عبارة عن صراع رجال مؤسسات علمية و ليس صراع حقائق ! و المؤسسة العلمية السائدة هي التي تفرض منطقها على الجميع ، بغض النظر عن مدى مصداقيتها !.. أما الحقيقة المجرّدة ، فلتذهب إلى الجحيم !.
المنهج العلمي الحالي
منذ ما يقارب الثلاثة قرون ، حصل انقلاب كبير في طريقة التفكير في أوروبا ، و ظهر منهج علمي جديد و فرض نفسه بقوة على الساحة الفكرية و الاعتقادية و الأكاديمية ، خاصة بعد ذلك الكم الهائل من الاكتشافات العلمية التي قلبت المنهج السائد في حينها (المنهج الكنسي) رأساً على عقب !.
هذا المنهج العلمي الجديد تربع على عرش المنطق السائد ، بعد أن كشف عن حقيقة وجود كون هائل ليس له حدود ، مسافاته شاسعة جداً مما يجعلها تقاس بالسنوات الضوئية . فالأرض إذاً ، هي ليست مركز الكون ، بل هي مجرّد إحدى أصغر الكواكب التي تدور حول الشمس ، و التي هي بدورها مجرّد نجم صغير في هذا الكون العظيم . والإنسان قد تطوّر من حيوان بدائي ، و مرّ بمراحل عديدة حتى توصّل إلى شكله الحالي .
هذه الحقائق الجديدة ، و المئات غيرها ، وضعت الكنيسة في موقع حرج ، و جعلتها تفقد الكثير من هيبتها السابقة . فخرج العلماء ، و تبعتهم الشعوب ، من الحضيرة الكنسية ، و أعلنوا أن الحقيقة هي في المختبرات العلمية و ليست عند رجال الدين أو الميتافيزيقيين . و بعد التراجع الكبير لتأثير الأفكار الروحية ( حصول فراغ روحي و معتقدي هائل ) ، راح بعض العلمانيين الجدد يبحثون في ظواهر الوجود ، و تفسيره بواسطة فلسفة علمانية (ملحدة) ، تعتمد على ما توصلوا إليه من اكتشافات علمية ، متناسين أن "العلم" هو "المعرفة" و ليس "الحكمة" ، والفرق بينها كبير .
الفلسفة الحقيقية ، الأصيلة ، هي التي تقوم بتغطية حقائق فيزيائية و بيولوجية و تاريخية و روحانية و أخلاقية و غيرها الكثير من العناصر التي يجب النظر بها جميعاً في عملية تفسير ظواهر الوجود . و هذا ما تجاهله العلمانيون بشكل مطلق ، مثل الفيلسوف العلماني "هايكل" Haeckel ، الذي راح يزعم بإيجاد أجوبة على لغز الكون ، بنظرة علمانية متجرّدة من عناصر كثيرة روحية و وجدانية و عقلية و غيرها ، كالعبقرية و الفن و الموسيقى و الدين و الأخلاق ....إلى آخره .
فقال أن الأفكار تنتج من الدماغ ، و الدماغ هو مصدر العقل ، و كل شيء في الوجود يسير وفق تغيرات عشوائية للطاقة ، و ليس نتيجة قوة عاقلة . فيقول في كتابه "لغز الكون" Riddle Of The Universe :
" يبدو واضحاً أن الكون هو عملية ميكانيكية شاملة ، حيث أننا لم نلاحظ فيه هدف أو غاية من أي نوع . و كل ما نسميه (الخلق الرباني) أو (التصميم المقصود) في عالمنا العضوي هو ليس سوى نتيجة لعوامل و مسببات بيولوجية .... كل شيء هو نتيجة لعامل الصدفة ... إن طبيعتنا الإنسانية التي رفعناها لمستوى رفيع ، قارناها بطبيعة الله ، هي ليست سوى خدعة إنسانية ، فالإنسان هو ليس سوى أحد الكائنات الثديّة ، و ليس له قيمة بالنسبة للكون أكثر من قيمة النملة أو الناموسة ، أو بكتريا أو ميكروب ..... إن بقاء الطاقة ، الكونية العشوائية ، هي التي تحدّد مصير المبادئ الميتافيزيقية الثلاث : الله ، الحرية ، الأبدية .!.."
فالعقيدة الجديدة إذاً هي التالي :
{ الحياة هي عبارة عن تنافس وحشي ، قاسي ، عديم الرحمة ، تحكمها غريزة "الصراع من أجل البقاء" و مبدأ الحياة الأساسي هو " البقاء للأنسب" . الحياة هي صراع أبدي بين جميع المخلوقات ، منذ أن نشأت الأرض ، بشكل عشوائي دون تدخّل رباني عاقل ، و سيستمر على هذه الحال حتى نهاية الأرض بشكل عشوائي ، و ربما تذوب في الشمس .} ...
هذه هي حكمة العلم الجديد !
حصلت نقلة نوعية في المناهج العلمية خلال القرون الثلاثة الماضية . فقد وجدوا جميع الحلول المناسبة لمشاكل الوجود ! قاموا بتفسير جميع المظاهر الطبيعية الغامضة ! توصلوا إلى علوم و تكنولوجيات و اختراعات كثيرة تعتمد على منهجهم العلمي الحديث ! لقد عاشوا فعلاً في نشوة انتصار حقيقية !.
لم يعد هناك شيئاً غامضاً أو مجهولاً على رجال العلم ! كل شيء أصبح قابل للتفسير علمياً و يعتمد على قوانين علمية أصيلة !. أكبر دليل على إحساس العلمانيين بأنهم قد توصلوا إلى الحدود القصوى في المعرفة هو أن في العام 1875م قدم رئيس قسم براءات الاختراع في الولايات المتحدة استقالته ! و نصح الإدراة بإقفال هذا المكتب لأنه كان مقتنع تماماً بأنه لم يعد شيئاً لم يتم اختراعه !.
و راح التاريخ يعيد نفسه من جديد . نشأت بيروقراطية علمية جديدة ! عقلية علمية جديدة !. فأصبحوا مقتنعون بأنهم رجال الحقيقة المطلقة ( كما كان الكهنة يدعون في الماضي ) . فهؤلاء الرجال العلمانيين الجدد بدؤا يعارضون الأفكار الجديدة التي تخرج عن منطقهم العلمي ، و يستبعدوا حقيقتها و واقعيتها ، و تعاملوا معها كما كان يتعامل المنهج العلمي القديم ( الكنيسة ) مع أفكارهم التي كانت خارجة عن منطقه .
لكن مع مرور الوقت ، و بعد التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم ، و خلال مراقبة الطبيعة و مظاهرها المختلفة بالاستعانة بأجهزة مراقبة متطوّرة ، بدأ هذا المنهج العلمي يكتشف ظواهر طبيعية غريبة عن مفهومه التقليدي !. و أصبح يواجه صعوبة في تفسير الكثير من هذه الظواهر معتمداً على قوانينه العلمية السائدة . فعجز عن تفسير تلك المظاهر البايولوجية التي تتميّز بها العديد من الكائنات ، و التي تتناقض مع مفهومه عن الحياة و عن قوانينه البايولوجية التقليدية . و بدلاً من تقبّل التفسيرات و النظريات التي وضعها رجال علم عصريين يستندون إلى مفاهيم مختلفة عن المنهج التقليدي ، قام رجال العلم التقليديين بتصنيفها بظواهر خارقة للطبيعة "بارانورمال ".! Paranormal . متجاهلين تماماً تلك التفسيرات العلمية الخارجة عن منهجه !. كالظواهر التالية :
No comments:
Post a Comment